نساء العرب| العائدة من الموت تناشد أهلها باليمن: تسلحوا بالعلم وحاربوا الطائفية والجهل (2- 2)
نساء العرب| العائدة من الموت تناشد أهلها باليمن: تسلحوا بالعلم وحاربوا الطائفية والجهل (2- 2)
في الحلقة الثانية من حوار سونيا صالح، الناشطة الحقوقية اليمنية التي عانت في سجون مليشيات الحوثي أكثر من عام، 4 أشهر منه في معتقل سري حيث لا تعلم ولا يعلم أهلها أين كانت.
تستكمل سونيا سرد هروبها الأول من صنعاء وكر الحوثيين إلى عدن تمركز الشرعية، وهروبها الثاني من عدن إلى القاهرة، طلبًا للحماية وتوفير الأمان لأبنائها الأربعة الذين جندت مليشيات الحوثي الذكور منهم للحرب وهم ما زالوا أطفالًا.
في هذه الحلقة وصفت سونيا كيف أن نساء اليمن دفعن فاتورة الحرب، وأعداد من قطعت أرجلهن أو فقدن حياتهن بسبب الألغام، ومنهن عروس كانت ستزف بعد 3 أيام.
تناولت الناشطة اليمنية أسرار السجون السرية و"بنات القوى الناعمة"، وطرق تعذيب النساء، أيضًا التهم اللاتي توجه للناشطات سياسيًا، وجرائم المجتمع في حقهن والتي تصل إلى القتل فور الإفراج عنهن على أبواب السجون.
تجنيد الأطفال مقابل سلال الغذاء معاناة أخرى تجدها نساء اليمن بعد فقد أزواجهن على جبهات الحوثيين للقتال، أيضًا هدمهم المدارس والجوامع.
بالطبع للحوثيين بدائل للمدارس تعرف بـ"الدورات التثقيفية"، تستهدف شحن العقول بأفكار الجهاد والحرب واستخدام السلاح، عن جميع ما سبق وأمور أخرى تحدثت العائدة من الموت كما تحب أن تسمي نفسها، فإلى نص الحوار:
ماذا قصدتِ بقولكِ "السجون السرية"، وكيف كانت أحوال النساء بها؟
التعذيب لا يتم إلا في السجون السرية، وهي سجون خارجة عن القانون لا تراقبها منظمات دولية، غير خاضعة لزيارات لجان منظمة العفو الدولية وغيرها، فما يقومون به جرائم حرب وضد الإنسانية.
في السجن كان همي كبيرا وكذلك جميع السجينات، وعددهن 1200 امرأة تم تحويلهن من السجن السري إلى السجن المركزي، كانوا يقسمونهن إلى بنات الحرب الناعمة وبنات البحث، مكثن في السجن لأكثر من عام، وخرجت وما زلن هناك يتم تعذيبهن ويتفنون في ذلك.
في السجن السري، كنّ يعذبن بالوقوف على علب الفاصولياء مدة 12 ساعة، وإذا ترنحت إحداهن ووقعت من عليها قبل إتمام المدة تعيدها من الأول، هؤلاء تتراوح أعمارهن بين الـ14 إلى 65 سنة، بعضهن أخذن من أمام مدارسهن.
الحوثي ظلم المرأة اليمنية وكذلك فعل المجتمع اليمني، لدينا فتيات فور خروجهن من السجن قتلهن أهاليهن أمام السجن تفاديًا للعار، بسبب التهم التي ألصقتها بهن مليشيا الحوثي المخلة بالشرف، حتى مع علم الأهالي بظلم بناتهن وبراءتهن من تلك التهم، كذلك كثيرات طلقهن أزواجهن وهن داخل السجن وأخذوا أولادهن منهن عنوة.
لم يقتصر الأمر على ما سبق، بل استهدفت مليشيا الحوثي تجنيد النساء، وذلك باتهامهن بتهم مخلة بالشرف حتى يسيطروا عليهن ويجبرونهن على التعاون معهم، الحوثي فكك المجتمع وكسر المرأة وأتمنى أن تكون هناك توعية بما يحدث للمرأة اليمنية، وأقول للآباء احتضنوا بناتكم، قفوا بجوارهن، السجن وسام شرف، هن حرائر اليمن وواجب احترامهن وألا يوصمن بالعار.
ماذا عن خروجكِ من السجن، كيف كان ذلك؟
تم الإفراج عني يوم 20 يناير 2020، كانت السماء تمطر، صرت أهرول أشعر أنني بحلم، أغسل وجهي بمطر الحرية وأنظر للسماء أدعو الله أن يقويني ويذهب عني ما عانيته داخل السجن، وذهبت إلى بيتي، التزمته، أخشى من الاختلاط بالناس، لا أقدر على مواجهة المجتمع، فالسجن لدينا عار كبير، تدهورت حالتي النفسية، فاعتزلت 3 أشهر في بيتي كنت وقتها تحت المراقبة، كنت أخشى أي شيء وكل شيء، إذا رن أحدهم جرس المنزل نخاف أنا وأولادي من أن تكون مليشيا الحوثي جاءت إلينا لاعتقالي، كنا نطفئ الأنوار وكأن المنزل خالٍ لا يسكنه أحد، لم نكن نقدر على الاستمرار هكذا وفكرت في الهروب.
كيف كانت عملية الهروب، وإلى أين ذهبتِ؟
خططت للأمر جيدًا، واخترت يوم عيد للحوثيين، وارتديت النقاب وأخذت بطاقة صديقة لي، وخرجت وأنا متنكرة وكذلك أبنائي، بالطبع لديهم قائمة بأسماء كل من تم الإفراج عنهن أو تخضع للرقابة حتى لا تهرب من قبضتهم، كنت كلما مررت وأولادي من نقطة تفتيش، كمن تلقي من على كتفها جبل، وظللت أتخفف مما على عاتقي من جبال حتى وصلت إلى عدن، وعندما وضعت قدمي على أرض الشرعية، شعرت أني فررت من الموت، رأيت النور، أزلت التنكر عني وعن أبنائي، لكني لم أشعر بأمان تام وكان من الخطر الظهور في الإعلام للحديث عن انتهاكات الحوثيين ضد نساء اليمن، لأن عدن ما زال أيضًا بها بعض الخلايا النائمة التابعة للحوثيين، ولذلك قررت مغادرة اليمن كلها والسفر إلى القاهرة.
كيف كان هروبكِ للقاهرة؟
كان هروبي الأول من صنعاء إلى عدن، ثم هروبي الثاني وكان من عدن إلى القاهرة، آخر 2020، بمساعدة الأحرار من أبناء وشيوخ عدن، لقد وفروا لي السكن في عدن وساعدوني في إصدار جوازات السفر وتذاكر الطيران، لقد هربت من عدن إلى القاهرة بحثًا عن الأمان وحياة كريمة وما فقدته في اليمن، عن وطن فقدته بين ركام يحاصره.
وكنت مكثت في عدن 3 أشهر قبل هروبي الثاني، خلال تلك الفترة خططت ومعي آخرون للهروب إلى القاهرة، كانت متطلبات الحياة هناك صعبة، مثل الكهرباء والمياه، حتى الأماكن التي تقع تحت سيطرة الشرعية تعاني من نقص الخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، الشعب اليمني جميعه يعاني.
لقد كان سفري إلى القاهرة نقطة تحول كبيرة في حياتي، وحينما دخلت مطار القاهرة، شعرت بألم شديد على بلادي، دولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، من حيث النظام والخدمات وشعب ومؤسسات وقيادة، بينما بلادي تحكمها عصابة إرهابية تدمرها.
الآن أنا في القاهرة لا أحد يستطيع الوصول لي، أستطيع أربي أولادي في هدوء وأمان، أشكر مصر أم الدنيا وأهلها، أشعر معهم بالأمان وكأنني بين أهلي، شعب متواضع ومتعايش وهذا ما يميزهم.
رغم سعادتي بوجودي في مصر، إلا أن الفرحة كانت منتقصة بعلمي بوجود أكثر من 2 مليون يمني في القاهرة بينهم حوثيون، وهو ما يعني أن وجودي مهدد وفي أي لحظة قد يحدث لي أي شيء، ولذلك أخرج في شوارع مصر وأنا أرتدي النقاب.
من أكثر من دفع فاتورة الحرب، وماذا عن مشكلة الألغام في اليمن؟
المرأة اليمنية من أكثر من دفع فاتورة الحرب وحصد ما زرعه الحوثيون من شر طال الأخضر واليابس، وأصعب ما عانت منه المرأة هي مشكلة الألغام خاصة في تعز، ومأرب والبيضاء، والحكاية أن كل منطقة احتلتها جماعة الحوثي فترة قبل أن تتركها قامت بزراعتها بالألغام، وبسبب ذلك وعلى حسب إحصائيات منظمات حقوقية، تعرض 21 ألفا للإصابة منها، أغلبهم من النساء.
وهناك قصة مؤثرة لعروس يمنية قبل زفافها بثلاثة أيام، ذهبت لجلب مياه من أحد الآبار، وبدون أن تشعر احتكت بأحد الألغام فقُطعت رجلاها، وماتت صديقة كانت تصاحبها.
المرأة اليمنية فقدت ابنها وزوجها في الحرب، وتم تهجيرها وتشريدها، هناك أكثر من 20 ألف يمني يعيشون في المخيمات، لا تتوفر لهم ضروريات الحياة.
وماذا عن تفجيرات المنازل والمدارس وحتى الجوامع، من وراء ذلك ولماذا؟
نحن نرفض العبودية، كل ما نطلبه الحرية والسلام، لكن اليمن تنغمس في الطبقية والاستعباد، المجتمع اليمني مقسم إلى سادة وعبيد وهو أمر لا يرضاه الله ولا ترضاه الإنسانية، ولتحقيق أهدافهم يفجرون المنازل ويخربون علينا حياتنا، ووصل الأمر حد تفجير المدارس والجوامع التي هي بيوت الله، حيث فجروا دار الحديث والسنة ومسجد الروضة، وهذا إرهاب ديني وإنساني، لا يمثلنا من يضرب بيت الله الحرام أو أي بلدة أخرى، من يهددون الملاحة البحرية أو يحتل العالم، هم يمثلون أنفسهم فقط.
وماذا عن وضع المرأة اليمنية في الحكومة الحالية، هل هناك مساعٍ لوجودها وتمكينها؟
المرحلة الحالية مرحلة حرب، ورغم أن المرأة اليمنية هي من دفعت فاتورتها، إلا أن الساحة السياسية الحالية خلت من وجودها، لم أرَ شخصية سياسية نسائية تشغل أي كرسي سياسي، وأتمنى في الفترة القادمة رؤية يمنيات يشغلن مناصب قيادية وسياسية، فهذا حق.
هذا حق واجب، نساء اليمن المجد والحضارة، قاهرات الظلم والاستبداد، سنظل نغني بصوت مرتفع تحيا الجمهورية اليمنية مهما كانت الصعاب، سنجاهد مهما كان الثمن، نحن حفيدات بلقيس، نحن وأحفادنا نقول بالروح بالدم نفديك يا يمن، نعم اليمن بلد جمهوري، لا للإمامة، لا للظلم والعنف والطائفية، تحيا الجمهورية اليمنية.
ذكرتِ أن المدارس تُهدم، فأين يتعلم الأطفال؟
تم غلق المدارس اليمنية واستبدلوها بدورات ثقافية جميعها تتحدث عن الجهاد والولاية والولاء والتشيع، لدرجة أن محمد علي الحوثي أحد أعضاء المجلس السياسي الحوثي، غرد على تويتر أن دراسة الرياضات والعلوم خطأ ومن المفترض الاقتصار على دراسة الجهاد، لقد خلقوا جيلًا مفخخًا عقليًا سيصعب التعامل معه في السنوات القادمة، تسأل الطفل ماذا تريد أن تصبح عليه في المستقبل يخبرك: “أنا مشروع شهيد”.
وماذا عن مقاومة تلك التصرفات، هل كانت هناك حملات توعية مضادة لتجنيد الأطفال وهدم المدارس مثلاً؟
دعوة تجنيد الأطفال كانت بقيادة عبدالملك الحوثي شخصيًا، عن طريق شيوخ الحارات الذين يرصدون أطفال كل أسرة، ومن يمتنع عن تجنيد ابنه يحرم من أسطوانة الغاز، ويزج به في السجون بتهم العمالة مع جهات أجنبية والخيانة وغيرها، وكثيرون تعرضوا للسجن بسبب ذلك.
وهناك شريحة كبيرة من أطفال المجتمع اليمنى أيتام فقدوا آباءهم على الجبهات أو في السجون، هؤلاء يجندون بدورهم والجميع يوافق تحت ضغط الفقر والحاجة، حيث تحصل الأمهات على سلال غذائية.
هل ثمة رسالة توجهينها لشباب وفتيات اليمن؟
نعم، أقول لهم: “أنتم المستقبل وركيزته، باستطاعتكم يا شباب صنع يمن خالٍ من الطائفية، تسلحوا بالعلم وابتعدوا عن الجهل والجهلاء، وعلى المجتمع اليمني احتضان بناته والوقوف بجوارهن حال ظلمهن من قبل الحوثيين، لا تبيعوا أولادكم مقابل سلة غذاء، ولا تجعلوا من أولادكم وقودا للحرب، لماذا ترسل قيادات الحوثيين أولادها إلى خارج البلاد للتعلم بينما يقتلون أولادكم”.